خلط بعض الباحثين بين عملية الاستنساخ وطفل الأنابيب وحاولوا الربط بينهما، إلا أن الحقيقة العلمية والشرعية تخالف ذلك للفرق الشاسع بين الحالتين، ففي عملية طفل الأنابيب تكون البويضة من الأم والحيوان المنوي من الزوج وكلاهما خلية جنسية، كما أن الزوجة في عصمة زوجها وفي أثناء حياته ولا وجود لطرف ثالث في العملية وبهذا تختلف عملية طفل الأنابيب عن عملية الاستنساخ. من ناحية أخرى ربط آخرون بين عملية الاستنساخ وزراعة الأعضاء، إلا أنه من الناحية الشرعية والقانونية لا وجود لمثل هذا الربط لأنه ولأسباب أخلاقية فإن عملية الاستنساخ إذا حدثت فسيكون لمخلوق كامل الأهلية له كافة الحقوق الإنسانية ولا يجوز شرعاً وقانونا أن يتم العبث بهذا المخلوق.
ويقول د. نصر فريد واصل ،مفتي جمهورية مصر العربية أن الإجماع قائم على أن الاستنساخ البشري غير جائز من الناحية العلمية والطبية والإنسانية وحتى الأخلاقية والاجتماعية، وأكد على أن العلم يقوم على ثلاث ـ الإيمان والأخلاق وخدمة البشرية ـ وأن يحافظ العلم على الدين والنفس والنسل والعقل والمال، وأي خلل في هذه الضروريات هو فساد للبشرية التي خلقها الله سبحانه.
وأفاد د. عبد المعطي بيومي ،أستاذ العقيدة في جامعة الأزهر أن القاعدة الشرعية تقول ما زاد ضرره على نفعه فهو حرام. وقد أكدت الحقائق الآن أن للهندسة الوراثية ضرراً أكثر من أن تكون نافعة ويطبّق ذلك على عملية الاستنساخ . والواضح أنه من الناحية الشرعية فإن المفاسد المترتبة على عملية الاستنساخ متعددة، إلا أنه لم تصدر فتاوى شرعية متعلقة بهذا النوع من العمل الطبي من علماء المسلمين، إلاّ أن البعض منهم أبدى رأياً بهذا الخصوص . وقال إن الإسلام يرفض مثل هذه العمليات التي أفسدت العلم والبحث العلمي، وأن منطق الشرع الإسلامي بنصوصه المطلقة وقواعده الكلية ومقاصده العامة يمنع دخول الاستنساخ في عالم البشر لكثرة المفاسد الأخلاقية والشرعية المترتبة عليه ومنها ما يلي:
1- الاستنساخ ينافي سنّة العلاقة الزوجية: إن عملية الاستنساخ تنافي العلاقة الزوجية التي حث عليها الدين الإسلامي برافديه من القرآن والسنّة النبوية الشريفة، ذلك أن الله سبحانه قد خصّص في خلقه كل مخلوق من ذكر وأنثى سواء الإنسان أو الحيوان أو الطيور أو الحشرات أو النبات. وقد أشار القرآن الكريم بذلك في مواضع عديدة منها: "وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا" ، "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى." . بينما نرى أن عملية الاستنساخ تقوم على الاستغناء عن أحد الجنسين والاكتفاء بجنس واحد. ولهذا فإن الاستنساخ في الواقع ضد الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، فالإنسان بفطرته يحتاج إلى الجنس الآخر ليس فقط لمجرد التناسل والتكاثر، بل ليسكن إليه ويكمل كل منهما الآخر مصداقاً لقول الله تعالى: " بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ."؛ "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنّ َ.". من ذلك يتضح أن الاستنساخ هو في الواقع مفسدة عظيمة وليس للإنسان مصلحة به، بل يسبب مشكلات أخلاقية عديدة؛ فهو لا يحقق سكن كل من الزوجين إلى الآخر، ويطمس صلة الرحمة والمودة للذرية، ويمحو جو الأسرة والأمومة الحانية والأبوة الراعية، كما لا يحقق ما يحتاجه الطفل البشري من رعاية وعيش كريم في ظلال الأسرة وحماها ورعايتها، لذلك وجب على الطبيب المسلم أن ينأى بالعلم الذي يتسلح به والخبرة المكتسبة من أن يقوم بهذا العمل للمفسدة الناتجة عنه.
2- الاستنساخ ينافي صفة التنوع: خلق الله الكون على قاعدة التنوع، وقد وردت بصور متعددة في القرآن الكريم، وذكر الله تعالى في كتابه: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ .". والملاحظ أن خاصية الاستنساخ تناقض صفة التنوع، ذلك أن الاستنساخ يقوم على تخليق نسخة مطابقة تماما للشخص المستنسخ، وعليه تترتب مفاسد كثيرة منها ما ندركه والبعض الآخر قد لا ندركه وجزء ثالث قد ندركه بعد حين. ومن المفاسد أيضاً أن الاستنساخ قد يؤدي إلى أعمال الشر في القانون البشري، شأنه في ذلك شأن ما قد حدث عند استخدام المواد النووية في المجال الطبي وإنتاج الطاقة، ثم تحول ذلك لاستخدامها في القتل والتدمير كأسلحة فتّاكة قد تقضي على البشرية عند استخدامها في التدمير وإهلاك الحرث والنسل.
3- العلاقة بين الشخص المستنسخ والمستنسخ منه: مثل هذا الأمر ينتج عنه قضية شائكة ذلك أنه من الواضح أن كل منهما غير الآخر فعلى الرغم من حمله نفس الصفات الكروموسومية ،الجسمية والعقلية والنفسية ،إلا أن كل منهما لم يأت في نفس اللحظة، بل بينهما فترة زمنية قد تكون سنة أو عقوداً، وحيث إن الزمن متغير، أي أن لكل زمن بيئته وثقافته وتربيته فلا شك أن ذلك سيجعل من المستنسخ شخصاً آخر في سلوكه ومعارفه، لأن ذلك من الصفات المكتسبة ولا يمكن استنساخها. لذلك يطرح في هذه الحالة سؤال مشروع هو: ما هي الصلة التي تربط بين المستنسخ والمستنسخ منه؟ هل هو ابن وأخ وشخص غريب عنه؟ وقـد يقول البعض أن المستنسخ هو ابن للأم التي وضع في رحمها وحملـت بـه وولدتـه، ويدللـون على ذلك قـول الله تعالى: " إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ." ويرى بعض الباحثين إن قول هذا البعض غير صحيح ويخالف ما ذكره الله تعالى في هذه الآية الكريمة لعدم معرفة من هو أب هذا المستنسخ، كما أن خاصية الاستنساخ قد تحدث بين خلية امرأة وبويضة امرأة أخرى، أو خلية امرأة وبويضتها ثم تزرع في رحمها، لهذا ففي هذه الحالة لا وجود لذكر، وهو أمر مخالف للشرع والعقل والمنطق. كذلك قد يقول البعض الآخر أن المستنسخ توأم للمستنسخ منه، ذلك أن التوأمين مخلوقان من بويضة واحدة، وهذا أمر أيضاً مخالف للشرع والمنطق، ذلك أن الأخوة رابطة متفرعة من الأبوة والأمومة.