بَدأتْ الحربُ في فلسطين في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947. وفي بِدايةِ نيسان/ أبريل من السنة التالية باشر البريطانيون انسحابهم. وقد غادر آخر جندي بريطاني فلسطين في 12مايو/ أيار. وقد غادر السكان العرب معهم(33). في الرابع عشر من مايو/ أيار كان عدد اللاجئين الفلسطينيين 200 ألف نسمة، بعد ذلك بقليل، دخلت الجيوش العربية فلسطين من العراق وسورية ولبنان وشرقي الأردن في حرب رسمية انتهت بقرابة 700 إلى 900 ألف لاجئ فلسطيني من المناطق الواقعة تحت السيطرة اليهودية(34) ولم يبق سوى 170 ألف عربي في هذه المناطق.
قبل مناقشة أسباب الرحيل الرئيسية من الضروري الإشارة إلى أن كلا من اليهود والدول العربية يعلنان تنصلهما من أية مسؤولية. الإسرائيليون يعتبرون مشكلة اللاجئين محصلة للحرب بين الدول العربية وإسرائيل. والقصة التقليدية الإسرائيلية تقول بأن الرحيل هو مسئولية القادة العرب الذين طالبوهم بذلك مع وعد العودة كأبطال بعد تحرير ديارهم، وأن القادة الإسرائيليين شجعوهم على البقاء في بيوتهم وقراهم. في دراسات حديثة العهد لعدد من المؤرخين وعلماء السياسة منهم بيني موريس يتضح بأن هذه الصورة قد تم فبركتها على عدة أرضيات، إن أسطورة المسؤوليةِ العربيةِ قد تعرت:
1 ـ في الواقع، لم يكن هناك تنسيق هام بين القادة العرب لتشجيع الفلسطينيين على العودة، على العكس، ومنذ مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 1948، كانت الهيئة العربية العليا تحث السكان على البقاء في منازلهم دون أن تنجح في ذلك(35).
2 ـ هناك ألاف الفلسطينيين من الطبقات الوسطى والغنية غادروا طوعيا المناطق التي حددتها الأمم المتحدة لإسرائيل فيما اعتبر الخطوة الأولى للجوء الفلسطيني هؤلاء الذين غادروا مباشرة بعد التصويت على قرار التقسيم عددهم ثلاثين ألف غادروا لما اعتبروه مناطق أكثر أمنا. وقد عانى العرب بسبب ذلك من نقص في الاتصالات ومشكلات اقتصادية وإدارية، خاصة منذ باشر البريطانيون بالرحيل. ويقدم موريس الأسباب التالية لتفسير مغادرة سكان 369 قرية لمسقط رأسهم:
أ ـ الطرد من قبل القواتِ العسكريةِ اليهوديةِ.
ب ـ الخوف من الهجمات اليهودية أو لِكَون الشخص قد شارك في القتال.
ج ـ اعتداء عسكري على القرى والأحياء من قبل الفرق العسكرية اليهودية
د ـ رفض إطاعة السكان لطلبات القادة المحليين في البقاء بديارهم وممتلكاتهم
هـ ـ حملات الهاجانا (حرب نفسية).
و ـ تأثير سقوطِ، أو الخروج من، مدينة مُجَاوِرة.
طبقاً لموريس morris طردت أغلبية الفلسطينيين من قبل قواتِ الدّفاعِ الإسرائيلية، أو هَربتْ بسبب الهجمات الإرهابية للقواتِ العسكرية اليهودية(36).
يوجد تقريباً مليون فلسطيني تَركوا أو اُجبروا على ترك بيوتهم ومدنهم وقُراهم(37).
انتزعت منهم أراضيهم وملكياتهم واصبحوا لاجئين بدون أية وسيلة للعيش. وقد نجم الرحيل عن ثلاثة أسباب رئيسية: الإرهاب الصهيوني، الإبعاد وانعدام الأمن ووسائل حفظ القانون والنظام في الشهر الأخير من الانتداب. “نجم الرحيل العربي الفلسطيني عن حالة الذعر التي نجم عن القتال بين الجماعات، الشائعات المتعلقة بأفعال حقيقية أو منسوبة للإرهاب أو من الطرد”(38).